افتتح صدام عهده بمجزرة بحق 17 من زملائه في قيادة البعث بدعوى المؤامرة فيما عرف ب "مجزرة الرفاق" في قاعة الخلد.
أحكم صدام قبضته على الداخل واستعد لإشعال النار في الخارج.
لم يكد يمر عام على تولي صدام حسين السُّلطة حتى فتح النار على حدود إيران عام 1980.
خشي البعث من راية تصدير الثورة الإيرانية لشيعة الداخل العراقي، فانطلقت قادسية صدام في مواجهة الدفاع المقدس الإيراني والذريعة نزاع حدودي.
أشعل صدام نارا لم تنطفأ إلا بعد 8 سنوات في إحدى أطول حروب القرن العشرين. وبدأت من هنا أسطورة بطولته بدعم خليجي وأمريكي.
دعمه الخليج في حربه ضد إيران مشاركا إياه خوفه من تصدير الثورة الإيرانية لهم وتركته واشطن يخوض هذه الحرب وحده ضد نظام الثورة الإيرانية نيابة عنها ليظهر المصطلح الإعلامي "أسد السنة" بدعم مالي خليجي وسلاح ومعونات أمريكية.
مع سنوات الحرب العجاف، نشط نظام صدام مروجا بسن العراقيين لمؤامرة خارجية تستهدفه واستلزم ذلك مزيدا من القمع. فكان نظام المليون مخبر.
بينما كان صدام يبني أسطورة دفاعية اكتسب بها شعبيته بين الجمهور العربي كان نظامه يؤسس لجهاز قمعي داخلي مكون من سلسلة من الشبكات الأمنية المعقدة. فأسس بذلك جهازه الامني الخاص ليكون عصاه الغليظة، وجهاز الأمن العسكري لإحكام الرقابة على الجيش. وسمح لحزب البعث بتشكيل جهاز استخباراتي خاص هو شعبة الاستخبارات العسكرية، ثم اهتزت ثقته بجهازه الذي أسسه لحمايته ليُكوِن جهاز خاص بحمايته عرف بإسم قوات الحماية.
أصبح هنالك 3 دوائر مختلفة مسؤولة عن حمايته يعمل بها عن أزيد من 1700 فرد. والنتيجة اعتقالات عشوائية بالجملة، تصفيات بحق آلاف المعارضين، إعدامات جماعية، وجيش من المخبرين السريين.
انتهى صدام من أطول حروبه بلا نتيجة واضحة، توابع متناقضة تماما كشخصية الرجل.
نزيف اقتصادي واضطرابات داخلية ومع عجزه عن تسديد ديون الحرب لحلفائه في الخليج والتي بلغت مابين 30 و 40 مليار دولار وفي ظل أسعار نفط متدنية فتش صدام عن المفر وكانت وجهته هذه المرة تجاه الكويت تحت ذريعة نزاع حدودي مع البلد الخليجي الصغير للتهرب من ديونه واتهمه بالتلاعب عمدا في أسعار النفط فقام بغزو الكويت عسكريا عام 1990 معتمدا على تلميحات أمريكية بتركه يفعل ما يشاء إلا أنه فوجئ بقوات عاصفة الصحراء التي كونتها واشنطن بمساعدة جيوش عربية تهدده لإنهاء الإحتلال وهنا سحب لقب "أسد السنة" من الرجل باليد الخليجية الأمريكية نفسها التي أعطته إياه.
استغل صدام احتشاد تلك القوات واطلق 39 صاروخا اتجاه إسرائيل وتحدى الجميع أن يكملوها للأربعين، ولم يكملها أحد، فكانت صدمة حاول فيها خلط الأوراق واختلطت المشاعر الشعبية بين تأييد أول دولة عربية منذ أكتوبر عام 1973 تطلق صاروخا اتجاه إسرائيل وبين مناهضة الجيش العراقي المحتل لدولة عربية أخرى وبين السياسات العدائية لدول مجاورة وبين طلبه لحدود واضحة لسوريا ولبنان من أجل تحرير فلسطين.
كان صدام محترفا تماما فب اللعب على هذه الأوتار المتناقضة بسهولة حتى انقطعت تلك الأوتار فجأة.
لم تنجر تل أبيب بطلب أمريكي للرد عليه كما تمنى وفجأة انفجر الداخل رغم كل الشبكات الأمنية المعقدة ليستخدم أسلحته الكيمائية ضد انتفاضة اندلعت ضده عرفت ب "الانتفاضة الشعبانية" عام 1991.
فوجئ الرجل بانتفاضة طالت 14 محافظة عراقية من أصل 18. وكان تعامله مع الأحداث وحشيا بقدر المفاجئة.
أمر الجيش بإستخدام كل ما في جعبته لإيقاف زحف المتظاهرين بما في ذلك الغزات السامة القاتلة واستخدم طائرات مروحية استلمها لتوه من واشنطن لنقل الجرحى من الكويت لقصف المتظاهرين حتى استعاد السيطرة الكاملة وخلف وراءه عشرات المقابر الجماعية.
وسط ضجيج غزو الكويت والإضطراب الداخلي، خاض صدام حسين صراعا مع الحليف السابق "أمريكا" بعد فرضها حصارا اقتصاديا خانقا على نظامه حتى بعد إنهائه غزو الكويت، وتناسى الشارع العربي مؤقتا سجله متعاطفا مع العراقيين.
أمام ذلك الحصار الخانق بدأت القوى العالمية تتحدث عن وجود مزعوم لأسلحة دمار شامل لتشدد من حصارها العراق، وأبدى صدام وجها أخر مقاوما طوال التسعينيات أمام بعثات التفتيش الدولية وأصرت واشنطن في المقابل على إسقاط نظام أسمته راعي الإرهاب رغم أن صدام حسين لم يكن يمتلك بالفعل أسلحة نووية.
لم يكن أمام الشارع العربي سوى الوقوف مع بغداد فتهيأت الظروف رويدا رويدا للانقضاض على صدام.
وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ودخل نظامه نادي الشر الذي ستواجهه أمريكا.
خاضت الولايات المتحدة الأمريكية تجربة إسقاط نظام طالبان في السابع من أكتوبر عام 2001 وبعد عامين جاء الدور على نظام صدام وغزت بذلك العراق في 20 من مارس عام 2003.
سقطت العاصمة بغداد من أبريل/نيسان ولم يصمد جيش صدام لتصبح بذلك العراق رسميا تحت الإحتلال الأمريكي.
فرّ صدام ولم يعرف له أثر حتى عثرت عليه القوات الأمريكية في الثالث عشر من ديسمبر عام 2003 وبدأت محاكمة طويلة للزعيم الذي كان متيقنا أن الحكم سيكون بالإعدام عاجلا أم آجلا رافعا القرآن الكريم في كل مرة يظهر فيها أمام المحكمة.
أعدم صدام صبيحة عيد الأضحى في 30 ديسمبر/كانون الأول عام 2006.
مات المهيب إذا لكن ترانيم ما يقال إنها بطولات "أسد السنة" و "بطل الإجرام" ما تزال باقية تتكرر حتى يومنا هذا وسيبقى السؤال حائرا بلا إجابة هل صدام حسين "بطل مقاوم" أم "سفاح مجرم".
